لمَ يُعتبَر الفصل تدبيرا حبيّا؟
«عندما سمعت الاعلان عن فصل ولدي، اسودَّت الدنيا في عينيَّ. فهو ابني البكر، ولم نكن نفترق، وقد تشاركنا معا في نشاطات كثيرة. لطالما كان ابنا مثاليا، إلَّا انه بدأ فجأة يتصرف بطريقة غير مقبولة. كم ذرفتْ زوجتي الدموع، وأنا عاجز عن تعزيتها! ورحنا نتساءل هل فشلنا في دورنا كوالدين». هذه هي بعض المشاعر الاليمة التي انتابت ابا يُدعى جوليان فُصل ابنه عن الجماعة المسيحية.
فكيف يُقال ان الفصل تدبير حبيّ، وهو يسبِّب كل هذا الالم؟ اية اسباب من الاسفار المقدسة تبرِّر هذا الاجراء الصارم؟ وما الذي يؤدِّي الى فصل مسيحي عن الجماعة؟
عاملان يؤدِّيان الى الفصل
لا يُتَّخذ اجراء الفصل إلَّا بوجود عاملَين مجتمعَين. اولا، ان يرتكب شاهد معتمد خطية خطيرة. وثانيا، ألَّا يتوب عن خطيته.
صحيح ان يهوه لا يطلب منا الكمال، لكنه وضع مقياسا للقداسة على خدامه ان يبلغوه. فهو مثلا لا يقبل ابدا ان نقترف خطايا خطيرة كالعهارة، عبادة الاصنام، السرقة، الابتزاز، القتل، وممارسة الارواحية. — ١ كو ٦:
ألا توافق ان مقاييس يهوه الطاهرة منطقية وتهدف الى حمايتنا؟ فمَن لا يحب ان يعيش بين اناس مسالمين وشرفاء وجديرين بالثقة؟! وهذا الجو يتوفر بين اخوتنا وأخواتنا الروحيين بفضل الوعد الذي نقطعه عندما ننذر لله ان نعيش بانسجام مع ارشادات كلمته.
ولكن ماذا لو ارتكب مسيحي معتمد خطية خطيرة بسبب الضعف البشري؟ هذا ما حصل مع بعض خدام الله الامناء في الماضي. غير ان يهوه لم يرفضهم رفضا تاما. وأبرز مثال على ذلك مثال الملك داود الذي ارتكب الزنى والقتل، ومع ذلك قال له النبي ناثان: «يهوه يتجاوز عن خطيتك». — ٢ صم ١٢:١٣.
لقد غفر الله لداود نتيجة توبته الصادقة. (مز ٣٢:
للوهلة الاولى، قد نشعر ان الفصل قرار صارم وقاس، لا سيما اذا كانت تربطنا بالمفصول علاقة حميمة. إلَّا ان كلمة يهوه تعطينا اسبابا وجيهة تحملنا على اعتبار الفصل تدبيرا حبيّا.
ما هي فوائد الفصل؟
قال يسوع ان «الحكمة تتبرَّر بأعمالها»، اي بنتائجها. (مت ١١:١٩) وفصل الخاطئ غير التائب هو قرار حكيم لأنه يسفر عن نتائج جيدة. وإليك ثلاثا منها:
فصل الخطاة يكرم اسم يهوه. بما اننا نحمل اسم يهوه، فسلوكنا ينعكس على هذا الاسم شئنا أَم أبَينا. (اش ٤٣:١٠) فمثلما يكرم سلوك الابن والديه او يعيِّرهما، تتأثر نظرة الناس الى يهوه بالمثال الجيد او الرديء الذي يرسمه الشعب المدعو باسمه. فاسم الله يتمجد اذا كان شعبه يعيشون بحسب مقاييسه الادبية. وتشبه الحالة ما حصل زمن حزقيال عندما ربطت الامم اسم يهوه باليهود. — حز ٣٦:
على سبيل المثال، سنجلب التعيير على اسم الله القدوس اذا مارسنا العهارة. لذلك اوصانا الرسول بطرس: «كأولاد طائعين، كفُّوا عن مشاكلة الشهوات التي كانت لكم سابقا في جهلكم، ولكن على مثال القدوس الذي دعاكم، صيروا انتم ايضا قدوسين في كل سلوككم، لأنه مكتوب: ‹كونوا قدوسين، لأني قدوس›». (١ بط ١:
بالاضافة الى ذلك، عندما يمارس شاهد ليهوه خطأ ما، من المرجح ان يعرف اصدقاؤه ومعارفه بالامر. واتِّخاذ اجراء الفصل بحقه يُظهر ان ليهوه شعبا طاهرا يلتصق بإرشادات الاسفار المقدسة ليحافظ على قداسته. ذات مرة، دخل رجل غريب الى احدى قاعات الملكوت في سويسرا، وقال انه يريد ان يصير واحدا من شهود يهوه. وإذ سُئل لماذا، اوضح ان اخته كانت شاهدة وفُصلت بسبب العهارة، وهو يريد الانضمام الى هيئة «لا تسمح بالسلوك الرديء».
الفصل يبقي الجماعة المسيحية طاهرة. حذَّر الرسول بولس الكورنثيين من خطر السماح لمرتكبي الخطايا العمدية ان يبقوا في وسطهم. فشبَّه تأثيرهم الرديء بتأثير الخميرة، قائلا لهم: «خميرة صغيرة تخمِّر العجين كله». ثم نصحهم: «اعزلوا الشرير من بينكم». — ١ كو ٥:
كان هذا «الشرير» على ما يظهر يمارس العهارة بشكل فاضح. حتى ان اعضاء الجماعة بدأوا يبرِّرون مسلكه. (١ كو ٥:
الفصل يمكن ان يعيد الخاطئ الى رشده. تحدَّث يسوع ذات مرة عن شاب ترك بيت ابيه وبدَّد ميراثه عائشا حياة خليعة. فتعلَّم هذا الابن الضال بالاختبار القاسي ان الحياة خارج بيت ابيه فارغة ولا ترحم. فعاد في نهاية المطاف الى رشده، تاب عن مسلكه، ورجع الى عائلته. (لو ١٥:
بصورة مشابهة، قد يأتي يوم يدرك فيه مَن فُصلوا عن الجماعة، اي عائلتهم الروحية، مدى الخسارة التي تكبَّدوها. فقد تُعيدهم الى رشدهم عواقب مسلكهم الوخيمة وذكريات الماضي الجميل عندما كانوا في علاقة جيدة مع يهوه وشعبه.
ان المحبة والحزم ضروريان لتحقيق الهدف المنشود. قال المرنم الملهم: «اذا ضربني البار فلطف حبيّ، مز ١٤١:٥) لإيضاح هذه الفكرة: تخيَّل متسلِّقا بدأ يستسلم للإرهاق في يوم شتوي بارد. فتبدأ حرارة جسمه بالهبوط هبوطا حادًّا ويشعر بالنعاس. ولأن رفيقه يعلم انه اذا نام يموت، يصفعه على وجهه من حين الى آخر لإبقائه مستيقظا ريثما يأتي فريق الانقاذ. صحيح ان الصفعة ستؤلمه، ولكن ثمة احتمال كبير ان تنقذ حياته. بشكل مماثل، ادرك داود ان التقويم هو لخيره ولو كان موجعا.
وإذا وبَّخني فزيت للرأس». (في حالات كثيرة، يؤدي الفصل الغاية منه، ألا وهي تأديب الخاطئ. فبعد نحو عشرة اعوام، تاب ابن جوليان المذكور في مستهل المقالة ورجع الى الجماعة، وهو الآن شيخ. يعترف قائلا: «اجبرني الفصل ان اتحمَّل عواقب نمط حياتي. لقد كنت بحاجة الى تأديب كهذا». — عب ١٢:
التعامل مع المفصولين بمحبة
مما لا شك فيه ان الفصل مأساة روحية. ولكن لا داعي ان تتحوَّل هذه المأساة الى ضربة قاضية. وعلى كل منا ان يلعب دوره كي يحقِّق الفصل الغاية المرجوة منه.
فالشيوخ المسؤولون عن تبليغ الخاطئ قرار الفصل، وهي مهمة لا يُحسدون عليها ابدا، يجاهدون للتمثل بمحبة يهوه. فعندما يُعْلمونه بقرارهم، يشرحون له بلطف ووضوح الخطوات التي يجب ان يتخذها ليرجع الى كنف الجماعة. وبهدف تذكير المفصولين بما عليهم فعله للرجوع الى يهوه، قد يزور الشيوخ دوريا مَن يُظهرون انهم يعدِّلون نمط حياتهم. *
اما اعضاء العائلة فيمكنهم ان يُظهروا المحبة للجماعة والخاطئ باحترام قرار الفصل. يقول جوليان: «كان لا يزال ابني، لكن نمط حياته اقام حاجزا بيننا».
وبمقدور جميع افراد الجماعة ان يُظهروا المحبة المؤسسة على مبدإ بعدم مخالطة المفصول او التحدث اليه. (١ كو ٥:١١؛ ٢ يو ١٠، ١١) وهكذا يدعمون التأديب الذي تلقَّاه من يهوه بواسطة الشيوخ. من ناحية ثانية، يمكنهم ان يخصُّوا عائلة المفصول بمحبتهم ودعمهم. فلا شك ان معاناتهم تكون كبيرة، ولا يجب ان يُشعرهم الاخوة بأنهم يتجنبون معاشرتهم. — رو ١٢:
نعم، الفصل تدبير حبيّ. وهذا هو الاستنتاج الذي توصَّل اليه جوليان. يقول: «الفصل ترتيب ضروري يساعدنا ان نعيش بانسجام مع مقاييس يهوه. ورغم الألم الذي يسبِّبه، فهو يُسفر عن نتائج جيدة على المدى الطويل. لو تساهلتُ مع ابني متجاهلا مسلكه الخاطئ، لما تعافى اطلاقا».
^ الفقرة 24 انظر برج المراقبة عدد ١٥ نيسان (ابريل) ١٩٩١، الصفحات ٢١-٢٣.